انه حدث مركزي وهام جداً، وله دلالاته الكبرى. مما يرشحه ليكون بداية حقبة جديدة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، والعالم بأسره.
ظل هذا الحدث على مدار أسبوعين ابرز ما تناولته وسائل الإعلام العربية، والعالمية، لأنه متعلِّق بمصير اكبر دولة عربية، بل الدولة التي تقود العالم العربي بأسره، وهي ذات المكانة الكبرى في العالم الإسلامي، ومن ثم في قارتي اسيا وأفريقيا، والتي تملك أهم المعابر الدولية المائية بين الشرق والغرب.
أن يرأس مصر رئيس إسلامي، عضو بارز سابق في جماعة الإخوان المسلمين - التي كانت محظورة ومقصاة حتى أمدٍ قريب ٍ- ليس بالأمر الذي يمكن المرور عليه في عُجالة أو استهانة، بل هو الثمرة الأكبر، والأهم للربيع العربي، وللتحول الديمقراطي الذي عقب الثورات العربية.
لم يتوقَّف الكتاَّب والصحفيون والنقَّاد والمراقبون عن تحليل هذا الحدث البارز، فما بين مبتهج ومتخوِّف، وما بين متفائل ومتشائم، وما بين مبالغ في قرب بزوغ فجر إسلامي جديد مشرق، وآخر يصوّره كالليل المدلهم، والظلام الحالك، يقف فريق كبير من الموضوعيين، والمنصفين الذين يناقشون هذا التطوُّر الكبير، بناءً على مقدماته ونتائجه، بعيداً عن العواطف والأمزجة المتقلِّبة.
أما نحن وان بدا موقفنا منحازاً بالفطرة إلى الطرح الإسلامي الأصيل، والانجاز الإسلامي المبارك، فإننا نسعى جاهدين لاستعراض المشهد بالصورة الموضوعية قدر الإمكان وقراءتها بالشكل المعقول الذي لا يخلّ ولا يملّ.
خطوة كبرى على طريق إسقاط النظام السابق
في الحادي عشر من شباط العام الماضي، أعلن حسني مبارك عن تخليه عن منصب رئيس الجمهورية - فسقط مبارك أو أُسقط، ورحل غير مأسوف عليه، ولكن النظام القديم ظلَّ يحكم مصر طوال الفترة الماضية، من خلال المجلس العسكري، وجهاز المخابرات المصرية، والحكومة المؤقتة، والقضاء المصري، صاحب القرارات المثيرة للجدل في الآونة الأخيرة، ولو قدر الله تعالى فوز احمد شفيق في انتخابات الرئاسة المصرية ، لعاد النظام السابق بكل عنفوانه، بل بأشد مما كان في عهد مبارك، حيث سيدَّعي الشرعيَّة الدستوريَّة والشعبية وربما الثورية أيضاً. ومن هنا تنبع الأهمية العظمى لانتخاب محمد مرسي رئيساً، حيث أن انتخابه ضمن استمرار الثورة، في مسيرتها نحو تحقيق أهدافها، وبإسقاطها لآخر معاقل فلول مبارك السياسية، مع بقاء فلول كثيرة أخرى في أجهزة الدولة المختلفة، بحاجة إلى معالجة مستمرة ، وتوافقات وموازنات ليست بالبسيطة أبداً. وعليه فان النظام القديم لم ينته بعد، بل سيبقى مؤثراً بطرق شتَّى ، حتى يتم تغيير الواقع بشكل تدريجي من خلال الممارسة العملية للنظام الجديد.
لا خيار إلا إنجاح مشروع نهضة مصر الكبرى
كل الأنظار تترقب باكورة أعمال الرئيس الجديد، وقد أعلن د. مرسي عن مجلس رئاسي يشمل خمسة نواب للرئيس خارج جماعة الإخوان المسلمين، يضم قبطيا وامرأة لأول مرة في تاريخ مصر، هذا اضافهً إلى رئيس حكومة من خارج الإخوان، بحيث يكون نائبه من حزب الحرية والعدالة مسؤول عن متابعة مشروع النهضة، وإذا كان العالم قد تعارف على اعتبار المائة يوم الأولى من عهد أي رئيس منتخب هي مقياس للتوجه العام لسياساته وانجازاته، فان خطط الرئيس المصري الجديد للمائة يوم الأولى هي خطط طموحة، مفصَّلة ومتكاملة. هذه الخطط إذا تكللت بالنجاح، فإنها كفيلة بان تمنح الانطباع العام الايجابي والمتفائل لدى جميع قطاعات الشعب المصري، بل ودول الربيع العربي بان الثمار الكبرى لا بد آتية، وان الشعوب العربية لن تندم أبداً على إسقاط رموز الفساد والاستبداد، واستبدالهم بالأقوياء الأمناء من الرموز الإسلامية والوطنية المخلصة أمثال د. محمد مرسي.
نحو شرق إسلامي جديد
حلم كبير راود القائد والمفكر الراحل نجم الدين اربكان رئيس الوزراء التركي الأسبق، ثم حمل الطيب اردوغان بعض نسمات هذا الحلم ، ولا شك انه يعود الان للواجهة بانتخاب محمد مرسي، ألا وهو بإقامة الكيان الإسلامي الوحدوي القوي والمنظم الذي يجمع شتات العرب والمسلمين. الفرصة التاريخية بدأت تعلو على السطح، وهي اليوم في أحسن أحوالها، وإمكانات تطبيقها. فقد فكّر نجم الدين اربكان في حينه بإقامة ما يسمى مجموعة الثماني الكبرى، والمقصود الدول الإسلامية الثماني الكبرى تركيا، إيران، مصر، اندونيسيا، ماليزيا، باكستان، بنغلادش ونيجيريا، والتي تضم أكثر من نصف سكان العالم الإسلامي. وإقامة السوق الإسلامية المشتركة والعملة الإسلامية المشتركة، والبنك الإسلامي الدولي، وغير ذلك من المؤسسات الإسلامية المشتركة. ولعلّ الفرصة الآن تعود من جديد في ظل التقارب المرتقب بين مصر وتركيا وسائر البلاد الإسلامية.
إن بداية التحرك في هذا الاتجاه، ولو استغرق وقتاً إلا انه يكون أهم التحولات التاريخية على مدار قرن من الزمان، ومرور قرابة تسعين عاماً منذ سقوط الخلافة العثمانية.
كلنا دعاء ورجاء أن يسهم انتخاب د. محمد مرسي لرئاسة مصر في إعادة لحمة الأمة العربية والإسلامية، وجمع كلمتها، وحلّ أزماتها، وفرض هيبتها، وتحرير كامل ترابها.. وما ذلك على الله بعزيز.
إسرائيل والواقع الجديد
ولولت إسرائيل وندبت حظها لخبر فوز الإسلاميين برئاسة مصر، واعتبرته "شتاءً إسلاميا" حالكاً وسوداوياً، وأبدت مخاوفها على مصير السلام مع مصر. ورغم التطمينات التي صدرت عن الرئيس المنتخب، وعن المجلس العسكري باحترام كل الاتفاقات المبرمة، إلا أن الريبة والخوف ما يزالان يجثمان على صدور صناع القرار الإسرائيلي.
ونحن نستطيع أن نتفهم هذه التخوفات، ولكن ماذا تتوقع إسرائيل من الرئيس المصري الجديد، ومن دولة مصر ما بعد الثورة؟ هل تتوقع أن يختار الشعب المصري الرئيس الأنسب والأصلح لإسرائيل أم الأنسب والأصلح لمصر؟. لقد اختار المصريون الرئيس الأنسب لتطلعاتهم هم، لنهضتهم، لحريتهم، لكرامتهم، ولهيبة مصر ومكانتها الدولية.
مصر التي يفوق سكانها عشرة أضعاف وأكثر من سكان إسرائيل، ومصر بمكانتها الدولية، تأثيرها الكبير في المنطقة، لا ينبغي أن تتأقلم هي للواقع الإسرائيلي، بل العكس، على إسرائيل أن تصلح من صورتها أمام الرأي العام العربي والإسلامي، وعليها أن تغير جذرياً من سياساتها تجاه الفلسطينيين، والعرب إجمالاً. الوقت الآن لا يسمح بان تتمادى إسرائيل في ظلم الفلسطينيين وقهرهم، والاعتداء على مقدساتهم وانتهاك حقوقهم، في الأرض والمسكن، والمياه، والمقدسات، والحريات وغيرها.
انتهى الوقت الذي تنفرد فيه إسرائيل بالفلسطينيين وتُقابَل بالصمت العربي والخنوع المصري، العهد الآن عهد استعادة مصر لمكانتها وتأثيرها، وكرة الانسجام مع الواقع الجديد هي في الملعب الإسرائيلي. فهل ستغيِّر الحكومة الإسرائيلية توجهاتها نحو السلام ، ونحو إحقاق الحقوق الفلسطينية، وترك الاستعلاء والاستكبار ومحاربة الفاشية والعنصرية التي تظهر جلياً من أعمال المستوطنين وغيرهم تجاه العرب والفلسطينيين؟.
تحسن إسرائيل صنعاً إذا جاءت للرئيس المصري الجديد بالفواتير تثبت تحسينهم لتوجهاتهم وتصرفاتهم وسياساتهم.. وبعدها لكل حادث حديث.
والله غالب على أمره.

هل تريد التعليق على التدوينة ؟